وسائل التشجيع
التغيير يتطلب مجهودا وتخطي للصعاب ولذلك فإن إدارة التغيير لابد أن تتضمن التشجيع والاحتفال بالنجاحات الأولى حتى وإن كانت صغيرة. تكلمت من قبل عن تجربة تقديم باقة ورد للعاملين بأحد المواقع التي كانت الأولى في بداية تنفيذ نظام تقليل الفاقد، وقد كان اختيار نوع التشجيع المتنوع هو من الأمور التي كانت تحتاج مناقشات طويلة. كان توزيع شهادات تقدير للأفراد الذين يقدمون مقترحات متميزة هو من أولى وسائل التشجيع والتقدير، وتم تطويرها بأن يتم تسليم تلك الشهادات في الموقع وسط زملاء العامل لكي يكون لها وقع أفضل عليه، ولكي يتأثر من حوله فيحاولون تقليده، وكان هناك جوائز عينية رمزية متنوعة للفنيين في المواقع النموذجية. وشملت الجوائز دروع في مؤتمرات المهندسين، وميداليات في مؤتمرات الفنيين. وكانت هناك وسائل تقدير وتشجيع أخرى مثل تصوير – فيديو – الفنيين وهم يشرحون الفكرة التي نفَّذُوها، وكذلك تنظيم زيارات للعاملين للمواقع النموذجية، وكان لهذه الزيارات والتسجيلات تأثيرا كبيرا. كان التأثير متبادلا، فالزوار يشعرون بالغيرة عندما يرون ابتكارات زملاءهم ويرون بيئة العمل الجميلة التي بنوها، والمزورون – أصحاب المواقع النموذجية – يشعرون بالفخر وهو ما يدفعهم للمزيد، ويدفعهم للحفاظ على ما تمّ.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كان هناك دائما رغبة في التحفيز بطرق جديدة ومفاجأة مثل إرسال رسالة شكر للموظف عن طريق البريد إلى مسكنه، وقد لاقت هذه الفكرة استحسانا كبيرا لأن الموظف أو العامل يشعر أنه قد تم تكريمه أمام أسرته وهو أمر محبب للنفوس، ومثل نشر صور المشاركين في المؤتمرات على لوح كبيرة، ونشر صور المشاركين في المقترحات كذلك، وتوزيع هدايا صغيرة تحمل اسم المؤتمر أو الحدث أياً كان. وكان منها شراء تورتة عليها صورة الموظف نفسه، وتقديمها له في موقع العمل ليتناولها مع زملائه.
كانت تلك الجوائز والمؤتمرات تستهدف بدرجة الأولى العمَّال (الفنيين)، وأول درجة في السِلَّم الوظيفي للمهندسين والتجاريين وخلافه، وذلك تحقيقا لمبدأ “تحسين مستمر كل يوم في كل مكان بمشاركة كل العاملين”. فالعمال في الأصل يقومون بعمل يدوي ولا يشاركون في تغيير العمل وتحسينه، وهم يشكلون أكثر من 80% من العمالة الكلية، فكان من المهم تشجيعهم على التحسين والابتكار وتقليل الفاقد. أما المهندسون والتجاريون من الشباب فهم المعنيون بالتطوير من الناحية الفنية أي أنه من المفترض أنهم أكثر انغماسا في التفاصيل الفنية من المديرين وهم كذلك أداة لتطوير الفنيين ودعمهم في التحسين المستمر، فكان لابد من فتح النوافذ لهم ليعبِّروا عن أفكارهم ونجاحاتهم. أما المديرون فهم بطبيعة مراكزهم لديهم فرص للتعبير عن أفكارهم، وقد كان لهم بعض النصيب من الجوائز، فكان هناك كأس للمدير الذي تحقق إدارته أعلى مقترحات سنوياً.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تم تحديد جوائز مالية لكل فكرة جديدة يتم تنفيذها وتؤدي لتحسين في العمل، وكذلك لحلقات ضبط الجودة. كان المزج بين الهدايا المالية والعينية والزيارات لتشجيع كل العاملين على المشاركة، فمنهم من يتأثر بالنواحي المادية، ومنهم من يتأثر بوضع صورته في لوحة، ومنهم من يتحفز عندما يرى ما فعل زملاؤه. كان الهدف هو تغيير ثقافة العاملين، وحملهم على التحسين المستمر من تلقاء أنفسهم، وخلق جو من الإبداع والتعلم.
ويقول صاحبنا إن فريق العمل قد أبدع وبشكل مستمر في خلق فرص لعرض الابتكارات، وفي تنويع وتغيير وابتكار وسائل تشجيعية. وكان من ضمن ذلك الاعتناء بخروج المؤتمرات التي يعرض فيها العمال أو المهندسون وغيرهم بشكل راق وبحيث تكون حدثا لا يُنسى في ذاكرة العامل أو المهندس، وبحيث تكون محركا لغيره ممن يرى زميله في هذه المنزلة العالية.
قد يقول البعض إن ما يحرِّك الناس هو المال؟ وهذا فكر محدود، فالواقع إن كل الناس يحب المال ويحب التقدير، ويحب أن يعود لأهله بجائزة ولو بطاقة صغيرة أو ميدالية صغيرة، أو صورته وهو يقف يُسلم على مدير كبير في المؤسسة. ويذكر صاحبنا إحدى المفارقات في بداية عمل هذا الفريق حيث كان أحد أفراد الفريق سيقوم بتسليم شهادة تقدير لأحد المديرين، وكان ذلك المدير قد قارب الخمسين، وكان في الرتبة يماثل من سيسلمه الشهادة، فطلب صاحبنا من زميله ألا ينسى أن يلتقط صورة لعملية تسليم الشهادة، فنظر له ذلك الزميل بنظرة تعني أن ذلك المدير ليس صغيرا ولن يهتم بمثل تلك التفاهات خاصة وأنه في مثل رتبته بل وأكبر منه سنا. وكانت المفاجأة أن ذلك المدير حين استلامه للشهادة كان مهتما جدا بالصورة.
كان فريق العمل يُشجع العاملين على التحسين المستمر والتعلم، وكان هو نفسه يتعلم من التجارب، ويقوم بالتحسين المستمر فيما يقوم به. في حادثة أخرى شعر صاحبنا بضعف التحسين في بعض الإدارات فاستغل فرصة قيام قسم صغير ببعض التحسينات فاشترى شجرتين صناعيتين صغيرتين وفي الصباح أخذ زملاءه وذهب ليسلمها لذلك القسم أمام الآخرين، وتم التقاط بعض الصور كذلك. ولا ننسى كذلك الرسائل الإلكترونية عبر مجموعات الواتساب WhatsApp، وعبر البريد الإلكتروني لعرض تحسين، أو شكر أحد بعينه أو مجموعة بعينها.
كان البعض ينظر إلى عمل هذا الفريق بالإعجاب، وكان البعض ينظر نظرة فيها شيء من الاحتقار كأنه يقولك ما بال هؤلاء بعد كل هذه الخبرة يضيعون وقتهم قي توزيع الجوائز والتصوير وتنظيم المؤتمرات، ما هذا العمل التافه؟ وفي الحقيقة فإن عمل هذا الفريق كان صعبا فتغيير الثقافة هو عمل يحتاج فهما لإدارة التغيير والنواحي النفسية ومبادئ التسويق وفهم طبيعة العمل في قسم/إدارة، وما يزيد الأمر صعوبة أن إدارة التغيير تتطلب التغيير أي أن ما تفعله في أول شهر يختلف عما هو مطلوب بعد عام وهكذا فلابد من رؤية واضحة للنتائج والتحرك بخطى واعية.
اختيار الوسائل التشجيعية هو عملية دقيقة لأنك تريد أن تربط التشجيع بالتحسين، وتريد أن تكون وسيلة التشجيع مؤثرة، وما هو مؤثر في فئة قد لا يؤثر في غيرها، وما أثر اليوم سيفقد تأثيره غدا، ولابد أن تكون وسائل التشجيع غير مبالغ فيها ماليا، وقد تعطي أحدا جائزة كبيرة أو هدية كبيرة فيشعر غيره بان جائزته حقيرة. أمور كثيرة متغيرة بصفة مستمرة تحتم عليك لكي تكون مؤثرا أن تبتكر وسائل جديدة.
قد لا تكون مديرا للتغيير في مؤسستك، ولكنك قد تقود التغيير للتحسين المستمر في إدارة صغيرة أو مجموعة صغيرة، وقد لا تستطيع أن تأتيهم بجوائز قيِّمة، ولكن تأكد أن أشياء بسيطة تذكارية ولمحات إنسانية يكون لها أثر كبير.
هل بدأت رحلة التحسين المستمر؟
ما هو رد فعلك؟